أوراق رحلة ... ( 1 \ 4 )

[ الــفــصــل الأول ]

صفحة أولى ...

مراهق يدلف نحو منعطف حياتي جديد ...ليتجرد من مخملية الترف المبعثر كأرواق الخريف على أرصفة المدن .يودع على باب العمر .. عهدا ...ويمضي نحو فصل جديد في رواية الحياة ...يمضي و على ظهره حقيبته الملئ بدعوات أم سكن بها الدمع من فراق بكرها ..
يقتله الوداع ...لم يكثر الكلام حينها ، متعللا بتأخره عن موعد طائرة يتمنى لو أنها لا تقلع أبدا .يودعهم دون أينظر إليهم، يتصنع اصطبارا يستمدون منه طمأنينتهم .و في يده حقيبته الصغيرة .. بها ما سرق للذكرى..عطر أمه المفضل ، معطف والده ، وصوة إخوته .و قصاصات ورق بها بعض خربشاته البريئة .يغادر ...شيئا فشيئا ...ويختفي في الأفق...ويبقى كالسراب ، تلهث خلفه دعواتهم .

في صالة المطار ...

بوابات المغادرة تخطف الناس كعسكر الاعتقال .لتلقي بهم خلف قضبان الاغتراب .

بين السماء و الأرض ...

حيث كان بجسده يقبع خلف النافذة ، يسترق النظر إلى مدينته في لحظة وداع...ليعود و يخفض رأس المقعد و يغمض عينيه ليحفظ مشهد يومه الوداعي.كل شيء هذا المساء بدا له حزينا ..

وصول ...

ولادة جديدة..لم يحضرها أحد سواه !!
على سلم الطائرة ..
صفعه الهواء البارد على وجهه كتحية استقبال حار ، تنبئ عن قادم لا يبدو أكثر حميمية ..!!

صباح ...

يستيقظ ...ينتزع ورقة التقويم كمن يثأر من الزمن ...ليبدأ يومه برد اعتبار ... يشغله كثيرا عن واجبه ..
إلى الجامعة ...
لم يعترف بها ... كمن لا يعترف بقدره ..
ما زال يحيا صدمته .. حضور جسدي فقط بعد ، استكمال نصاب الغياب ..!!

مساء ...

يبدو مملا بالخارج ...لذا يكتفي بمشروبه الساخن ، و كومة الورق الدراسي !!على مكتب تشغله مسروقات الذكرى ...لتسرح به حرارة الكوب عن أوراقه ،،يتساءل عن سر تعلقه به ..!!ألأنه يذكره بحرارة مدينته ..!!أم أن دفئ المنزل و رائحة العطر الذي سرق ( و تملاء المكان )..تأخذه بعيدا من هنا إلى حيث يحب أن يكون ..؟!!
فهنا ...
كل شي مختلف ..شعور بالضياع في زحمة الوجوه التي تدرس تفاصيل هذا الغريب .هو يكره أن يـُـنظرَ إليه بعين العطف. وهنا لا أحد يعرض حتى المساعدة.!!هنا ، يمارس الطقس سطوة الجلاد فيمتثل الجميع لحظر التجول الليلي ..!!هنا ، لا يتوفر كل شيء ، و كل متوفر متاح ، و ليس بالإمكان إلا القليل .!!
هنا ، كل شيء مختلف ...!!

لــيــل ...

يأتي دوما على أنغام الريح ..لتسهر عليها بالرقص أشجار المدينة ...تبدو له من خلف ستارة تغطي نافذته المغلقة ...أشباح تتندر بحاله ..!!
يضع رأسه على وسادته ...يغمض عينيه ..في رحلة الهروب في حلم يأمل أن يأخذه عن واقعه ...

أيــــــــــام ...

تمضي و تستمر الحياة ...و يستمر عراك البقاء على الحبل المعلق ...